01 May
01May

تقع مدينة لبدة الى الشرق من مدينة الخمس على مسافة 3 كيلومتر عند مصب وادي لبدة بحيث تحاذيه من ضفته الغربية.  أما عن العاصمة طرابلس فتبعد نحو 123 كم بالاتجاه شرقاً مع الطريق الساحلي.  يطلق على مدينتنا هذه اسم لبدة الكبرى تمييزاً لها عن لبدة الواقعة بالقرب من مدينة سوسه في تونس.

ورد ذكر لبدة في المصادر التاريخية القديمة باِسم "لبتس ميغالي" باليونانية وباِسم "لبتس ماقنا" Liptis Magna باللاتينية.  ويعتقد بأن اسمها الأخير مشتاق من اسمها البونيقي "ليبقى" واقدم ذكر لهذا الاسم الفينيقي ورد في العملات الفينيقية في القرن الأول قبل الميلاد، وعلى بعض منها من اوائل القرن الأول الميلادي.  وسماها اليونانيون الى جانب اسمها لبتس "نيابوليس" أي المدينة الجديدة.كانت لبدة في بادئ أمرها مركزاً تجارياً يؤمه الفينيقيون في أبحارهم من سواحل سوريا الى سواحل البحر الأبيض المتوسط للتجارة مع اسبانيا وذلك حوالي القرن الثاني ق.م.، ومن المرجح أنها لم تكن مدينة ثابتة واستخدمت من قِبل الفينيقيين كمحطة تجارية او ميناء مؤقت لاِرساء السفن وتبادل البضائع المختلفة مع أهالي البلاد الذين كانوا يجلبون معهم البضائع الثمينة من أواسط أفريقيا عن طريق القوافل عبر ممرات كان التجار الليبييون يسلكونها في تنقلاتهم.

وتعد لبدة من المدن التاريخية الكبرى لعظمة آثارها وثراء تاريخها وأثرها الحضاري بالاضافة الى كونها تمتاز بخصائص متنوعة تجعلها فريدة بين المدن الأثرية الخالدة، وهي احدى المدن الثلاث الشهيرة التي ارتبط تأسيسها بمقدم المهاجرين من الفينيقيين وذلك في بداية الألف الأولى ق.م. حيث استوطنوا الساحل للتجارة والعيش مع الليبيين,  والمدن الثلاث هي لبدة وأويا وصبراتة التي نسب اليها اليونان اقليم المدن الثلاث أي "تريبوليس" الذي جاء منه اسم طرابلس فيما بعد.

 وكانت لبدة من بين أكبر المدن وأوسعها عمراناً في العصر الليبي البونيقي والفينيقي فالروماني.  وبصورة خاصة في عهد الباطرة من آل سيفيروس (193-225م) الذين ينحدرون من أسرة عريقة ومن مدينة لبدة نفسها.  وقد استطاع الفينيقيون أن يؤسسوا لهم مراكز تجارية على طول الساحل الأفريقي الشمالي.  ويرجح بعض علماء الآثار أن تأسيس لبدة قد تم بعد أن أسس القرطاجيون عاصمتهم قرطاجنة الكائنة الآن في ضواحي مدينة تونس العاصمة وذلك سنة 814 ق.م.  وفي رواية أخرى أن تاريخ تأسيس مدينة لبدة يعود الى القرن السادس قبل الميلاد فقد عثر في الحفريات التي قامت بها بعثة جامعة بنسلفانيا سنة 1961م على قطع فخارية بالقرب من ميدان المدينة ترجع الى ذلك العهد.ولم يعثر حتى الآن على مباني المدينة التي تعود الى العهود الفينيقية، ولم يخلف هذا العهد الفينيقي بين أيدينا سوى عدد من المقابر البونيقية تحت منصة مسرح لبدة الروماني.  وهذه المقابر تضم أوان وأوعية فخارية من القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد.  وفي الفترة التي كانت فيها خاضعة للسلطة القرطاجنية، صمدت المدينة في وجه نوميديا الأفريقية، حتى أنها استمرت قائمة بعد خراب قرطاجنة الذي تم على أيدي الرومان عام 146 ق.م. ثم انضوت تحت حكم المملكة النوميدية بصفة استقلالية.يأتي أحد الكتاب الرومانيين في مذاكراته عن لبدة فيذكر، أنها حافظت على الشرائع والعادات الفينيقية ولم يطل التأثير سوى لهجتهم.  ويرجع ذلك الى سبب وحيد الا وهو اندماج أهل المدينة مع الأفارقة بالتزواج والمصاهرة.  وفي الوقت الذي دخلت فيه روما حرب مع نوميديا، رغبت لبدة في أن تكون حليفة لها.  وبالفعل فقد أجابتها روما الى ذلك وأصبحت لبدة جزءا من أفريقيا الرومانية.وفي عام 46 ق.م. فرض يوليوس قيصر على لبدة غرامة باهظة وذلك بسبب تعاونها مع بومباي.  وقد حددالقيصر نوع جزيته التي فرضها على المدينة أن تدفعها، فكانت من زيت الزيتون الأمر الذي يكشف لنا ويقودنا الى تقدير مكانة لبدة الزراعية والانتاجية انئذ وأنها كانت محاطة بغابات فسيحة من شجر الزيتون، وليست التلال الواقعة في جهة ترهونة سوى دليل على ذلك.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة